تقارير و بياناتمتابعة الشأن الحقوقي والسياسي

قضية سنية الدهماني : محكمة التعقيب تنقض قرار محكمة الإستئناف

في تطور قضائي لافت، أصدرت الدائرة الجزائية 29 لدى محكمة التعقيب يوم الاثنين 3 فيفري (فبراير) 2025 قرارًا بالنقض والإحالة بخصوص قرار دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس، الذي كان يقضي بإحالة المحامية سنية الدهماني على أنظار الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس. وقد قررت محكمة التعقيب إعادة ملف القضية إلى دائرة اتهام مغايرة لإعادة النظر فيه.

خلفية القضية:

تعود القضية إلى شكاية قدمتها الهيئة العامة للسجون ضد سنية الدهماني، على خلفية تصريحات إعلامية أدلت بها حول سوء الأوضاع داخل بعض السجون التونسية، حيث اعتبرت دائرة الاتهام أن الأفعال المنسوبة إليها تتعلق بـموظف عمومي، مما أدى إلى إحالتها على الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية.

إلا أن محكمة التعقيب نقضت هذا القرار، معتبرة أن الملف يستوجب إعادة النظر فيه، وقررت إحالته مجددًا إلى دائرة اتهام مغايرة بمحكمة الاستئناف بتونس.

خطوة مهمة نحو استعادة القضاء لدوره الأساسي:

ترحب منظمة أوفياء بقرار محكمة التعقيب، معتبرة أنه خطوة مهمة ومفاجئة للمراقبين في اتجاه استرجاع القضاء لدوره كحامٍ للحقوق والحريات، خصوصًا في ظل تزايد المخاوف من توظيف القضاء لأغراض سياسية وتصاعد الضغوط على المرفق القضائي.

تعليل محكمة التعقيب: ضبط مجال تطبيق الفصل 24 من المرسوم 54

تتمثل خصوصية هذا القرار في كونه يعالج مجال تطبيق الفصل 24 من المرسوم عدد 54 لسنة 2022، والذي تم بموجبه توجيه التهم إلى سنية الدهماني بسبب تعليقها في برنامج إذاعي حول المعاملة المنافية لحقوق الإنسان داخل السجون التونسية.

محكمة التعقيب، باعتبارها المحكمة العليا التي تنظر فقط في مدى تطبيق القانون، استخدمت اختصاصها التقليدي في إلغاء قرارات المحاكم الأدنى عندما ترى فيها إخلالًا بالقانون أو اعتداءً على الحقوق الدستورية.

قرار في سياق أزمة استقلال القضاء

يأتي هذا الحكم في وقت تشهد فيه السلطة القضائية ضغوطًا متزايدة، وسط انتقادات واسعة بشأن تدخل السلطة التنفيذية، ووزارة العدل تحديدًا، في قرارات المحاكم الابتدائية ومحكمة الاستئناف، التي تتولى النظر في الوقائع وتكييفها القانوني.

ومع ذلك، فإن محكمة التعقيب، من خلال هذا القرار، مارست دورها التقليدي في مراجعة مدى التزام المحاكم الأدنى بتطبيق القانون، وهو اختصاص لا يخضع نظريًا لأي تعليمات أو تدخل من السلطة التنفيذية.

خصوصية القرار: اعتماد القوانين الصادرة عن الرئيس قيس سعيد

من المفارقات أن محكمة التعقيب استندت في قرارها إلى القوانين التي أصدرها الرئيس قيس سعيد، بما في ذلك المرسوم الرئاسي عدد 54 (المرسوم الأسود) لكنها في الوقت نفسه أعادت ضبط مجال تطبيقها بطريقة تعزز حماية الحقوق والحريات، وهو ما قد يشكل سابقة قانونية يمكن البناء عليها في قضايا أخرى.

يعد قرار محكمة التعقيب في قضية سنية الدهماني مؤشرًا إيجابيًا في اتجاه ترسيخ مبادئ المحاكمة العادلة وحماية حرية التعبير، وهو ما يستدعي مزيدًا من اليقظة لضمان عدم استغلال القوانين الاستثنائية لتقييد الحريات العامة في تونس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى